الثلاثاء، 7 أبريل 2009

الكاتب وجمهوره !



كنت أتساءل كثيرا عندما كنت صغيرا، لماذا يا ترى يتعب الكاتب نفسه بتصفية ذهنه جاهدا من أجل أن يكتب نصا كان أدبيا أو اجتماعيا أو غير ذلك من النصوص. ولم أجد إجابة لهذا السؤال حينها، فقررت أن أجهد نفسي بالقراءة والإطلاع على الكثير من النصوص، فكانت النصوص الأدبية تمثل لي الهدف الأول للإطلاع، وذلك لأنها تحمل الكثير من المعاني والتعابير التي تؤشر على اجتهاد الكاتب من أجل صياغتها ، على عكس النصوص الأخرى ، فإنها فقط تشكل ترتيب الحروف والكلمات من خلال الخبرة الشخصية التي مرّ بها الكاتب، هكذا كنت أحسب طريقة صياغة هذه النصوص.
وبمرور الأيام كنت أزداد تحيرا وتعجبا، ولم أجد إجابة واضحة تجيب على تساؤلي، وكانت إحدى الحوادث التي زادت تعجبي هو القراءة عن الأدب المهجري ، الذي لم يكن له مثيلا في الجودة ، بحسب رأيي ، في العصور الحديثة، وتحول تساؤلي هنا وسار مسارا لم يختلف عن سابقه ، لكنه الآن أكثر دقة. كنت أتساءل عن الأسباب الحقيقية التي دعت أدباء المهجر لأن يخرجوا لنا أدبا حديثا ذو جودة رغم أنهم في أرض لم تكن تحمل شعار العروبة، ولا تمت بالعروبة في أصلها. كان الكثيرون يؤولون هذه الحادثة إلى أن أدباء المهجر أرادوا أن يحافظوا على الأدب العربي في مهجرهم ، لكن كيف يحافظون على شيء ليس له وجود في ذلك المكان ؟
لم أجد إجابة لتساؤلاتي في أي مكان ، إلى اليوم الذي طرحت هذا الموضوع للنقاش في إحدى الحصص الدراسية، وكانت التأويلات كثيرة ، فمنهم من كان يقول بأن الكاتب يحب الشهرة فلذلك يكتب ، ومنهم من قال بأن الكاتب يريد أن يبث أفكاره الشخصية حتى يلاقي أناسا حولها متجمعين ، يفكرون بنفس تفكيره ، كأنه بث فيهم شيئا من المساحيق السحرية حتى يتبعوه ، والطرف الأخير قال أن الكاتب يريد بكتابته أن ينشر العلم الذي يمتلكه ، وذلك من مبدأ تعلم وعلم. لكن أيا من هذه التفاسير لم يعطني الجواب الذي كنت أريده.. ولكن من خلال هذا النقاش تفتحت لي أبوابا أخرى لأطلق فكري إليها. كان أكثر الأمور التي جعلتني أتعجب كثيرا هي عندما قال أحد الطلاب المعروفين بعدم الإكتراث لما حولهم، قال: (كن كاتب ، وبتعرف ليش*) ، لم يلقِ أحد منّا إلى هذه الجملة أية انتباه، ليس لأنها غير مهمة ولكن كالعادة نحن لا نلقي بالا لما يقوله بعض الأشخاص ، وكأننا نسمع الذي نريده فقط ، ونرمي الذي لا نريد في سلة المهملات.
وإن أردنا أن نقرأ الموضوع من منظور آخر ، فنستطيع أن نقول ما الذي يدعوا الكاتب المتميز أن يتوقف من الكتابة، كان توقفا نهائيا أم توقفا عن الكتابة للجمهور الذي تعود أن يكتب له، فالأسباب هنا قد تكمن في تغير ثقافة الكاتب وعدم تناسبها مع جمهوره ، أو قد تكمن في عدم اكتراث الجمهور لما يكتبه الكاتب. فالكاتب يكتب لجمهوره ، إن لقي تشجيع منهم واصل الكتابة بإبداع ، وإن لم يلق تشجيعا منهم فإنه يتوقف عن الكتابة أو ينتقل إلى جمهور آخر للكتابة له، الجمهور الذي يعرف أنه سيلقى التشجيع منهم.
وهكذا نستطيع أن نقول في نهاية المطاف أن الكاتب لا يكتب لنفسه ، ولكن يكتب للجمهور الذي يقرأ له ، فكيف لو كان الجمهور لا يقرأ في الأصل ، هل يا ترى سيكون هنالك كتاب ؟
__________________________
* ليش: كلمة عامية بمعنى لماذا.

هناك 4 تعليقات:

  1. السلام عليكم أستاذ محسن ..
    الذي دفعني أن أٌقرأ هذا المقال
    وإعادة قراءة بعض الجمل مرتين أو أكثر
    لإني كان لي نفس السؤال يراودني
    كلما أردتُ أن أكتب

    فسؤالك ربما نختصره
    ( لماذا نكتب؟ !) أو ( لمن نكتب؟)

    البعض حسبما قرأت لهم، يكتبون لأنفسهم فحسب!
    أي يكتبون لذواتهم
    والبعض يجد أن الحرف كالهواء فيكتب ليتنفس
    أم أنا فأكتب لأعبر عن الشعور المختلج في الداخل
    دون تكلف ولا تصنع .. حاولت أن أزين حروفي
    بشيء من السجع والجناس والتشبيه لكن كان صعباً للغاية أن تلوث الحروف بما لا تشعر ..


    والكلام يطول في هذا .. وقد تكون لي عودة


    ومدونة جميلة جداً جداً
    موفق أيها المبدع

    ردحذف
  2. وعليكم السلام والرحمة أستاذة هدى ،

    كما تعلمون المقال مضى عليه أكثر من سنة منذ كتابته، وبما أننا لا زلنا صغارا في سلم المعرفة فسيكون شيء طبيعي أن تطور الأفكار التي نحملها ، وبالرغم من أن ما جاء في المقال لا زال هو الفكر الذي يراودني ، إلا أنني أجد أن هنالك أسباب كثيرة أخرى وأجوبة للسؤال المطروح ( لمن نكتب ؟! ) وتختلف توجهات الكاتب من كتابة إلى أخرى ، المهم في كل كتابة هو تحديد الجمهور، لمن نكتب ، وتحديد السبب ، لماذا نكتب ،، وبعد ذلك نبدأ فعل الكتابة ..

    في بعض الأحيان ، نكتب لنغير فكرة في من حولنا ،
    وفي بعض الأحيان نكتب لنؤكد على فكرة ..
    وربما نكتب لكي نغطي بعض المشاعر التي نملكها ،
    وأيضا نكتب لشخص ما ، أو قد نكتب لنا نحن - مثل المذكرات ..

    المهم من هذا كله ، هو وجود رابط عميق بين من يكتب وبين من يقرأ ، وجسر ممتد لتلك الأفكار العابرة من الطرف الأول إلى الطرف الآخر ..

    وبعد الكتابة يجب علينا تقييم المكتوب ، هل يصح للنشر أم لا .. وشخصيا أرى أن الكثيرين يقعون في هذه الغلطة -وقد أكون منهم في الكثير من كتاباتي- وبخاصة الكتابات الشاعرية التي تحتوي على مشاعر الشخص ، وما إلى ذلك من كتابات .. تقييم المكتوب من قبل الكاتب عملية صعبة للمبتدئين ، ولذلك في أغلب الأحيان يستحسن أن نستعين بقريب في تقييم الكتابة ، وسيكون جميلا لو يتم نقاش المكتوب قبل النشر .. بهذه الأمور سنرتقي في سلم الكتابة بسرعة -بإذن الله تعالى ..


    كأني طولت شوي الحكي هنا ^_^
    لا بأس ..


    شكرا جزيلا على مروركم الذي أسعدني كثيرا في واقع الأمر ، وهو ليس مرورا فقط .. ولكن تذكيرا بأن هنالك مدونة تحمل اسمي بعد أن مضى أكثر من سنة منذ آخر تدوينة ^_^

    سلام

    ردحذف
  3. الكتابة لا تختلف عن الفكر في شيء فكتاباتك تعكس فكرك
    لذا نحاول قدر الأمكان جعلها ناضجة وواضحة وقوية..
    لا نريد أن نظهر وكأن أفكارنا ضبابية وغير مركزة.
    الكتابة في جوهرها رسالة يراد لها ان تصل لأكبر قدر ممكن من الناس وأن تحدث تأثيرا عليهم في غالبه إيجابي لذا نكتب لنحدث تأثير ونعبر عن فكرنا أولا وأخيرا ..

    ردحذف
  4. محسن : اهلاً بعودتكَ لعالمك

    كلامك جميل ولو اطلت لكان أجمل لنستفيد منكم
    من ناحية ما قلت ، ذكرتني بنقطه مهمة جداً جداً
    إن ليس كل ما نكتب صالح للنشر ليس معنى إن ما كتبناه كان مجرد عبث وإنما في كثيراً من الأحيان بعض الكتابات تحمل بعض الأفكار او المشاعر أحياناً تخصه كشخص لا يبنغي أن يطلع عليها آخرين ربما نطلق عليها (أسرار)!

    لذلك التريث مطلوب كثيراً في نشر الكتابة ، ولا ينبغي أن نستهين بهذا الأمر في مسألة النشر ، ربما أنا قد أكون فرطتُ كثيراً في مسألة النشر ما أكتب ربما كان ينقصني ما ذكرته بحيث يجب مراجعة الكتابة من قبل من يثق فيهم ..
    حتى يميز ما يصح للنشر من غيره



    ومن جهة أخرى ذكر الأستاذ عبدالعزيز نقطة مهمة إن الكتابة تعكس الفكر في كثيراً من الأحيان
    كيف لا والحروف ترجمان المشاعر كما قيل
    ولكن مما يؤلم حقاُ إن كثيراً من النّاس حروفهم من ذهب منفمة مزحرفه لكنهم لا يمدون حروفهم بصلة
    يفعلون ما لا يأمرون والله المستعان ع ما يصفون

    ردحذف